المنظمة العربية المتحدة للبحث العلمى

سلسلة الاستدامة طريق السلامة (2)

بقلم السفير الأممي للشراكة المجتمعية ،عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة،المستشار الدولي لأهداف الأمم المتحدة 2030 د.أحمد سمير

 

قوة الجماعة في زمن الفردانية: قراءة في المسؤولية المجتمعية


في عالمٍ يتسارع فيه الإيقاع، وتتشابك فيه مصالح البشر على نحوٍ يجعل الحدود بين الفرد والمجتمع شبه معدومة، تظهر المسؤولية المجتمعية كمعيار أخلاقي وعملي يُعيد التوازن لعلاقتنا ببعضنا وبالبيئة التي نعيش فيها ليست شعارًا يُرفع في المؤتمرات، ولا واجبًا تطوعيًا يُؤدى على استحياء، بل هي إدراكٌ عميق بأن قوة المجتمع تبدأ من فعل صغير، وأن أثر الفرد يتضاعف حين ينعكس على حياة الآخرين.
ما هي المسؤولية المجتمعية؟ يمكن تبسيطها بأنها: تصرف واعٍ يهدف إلى تحقيق منفعة عامة عبر مبادرات فردية أو مؤسسية تُحسّن جودة الحياة، وتحترم الإنسان، وتحفظ البيئة، وتُراعي القيم الأخلاقية.
وبعبارة أخرى: هي أن ندرك أن دورنا يتجاوز حدود مصالحنا الخاصة، وأن صلاح المجتمع ليس مهمة جهة واحدة، بل شبكة مترابطة من الأيدي والقلوب. وباختصار أكثر هي أن تقوم بما هو مطلوب منك دون أن يطلب منك
لماذا نحتاج إلى المسؤولية المجتمعية؟ لأن العالم لم يعد يحتمل فكرة (نفسي ومن بعدي الطوفان) لأن الطوفان إذا جاء سوف لا يترك أحد فطوفان الفقر، التلوث، ضعف التعليم، البطالة، العنف، وإهمال البيئة… وضعف الرعاية الصحية كلها نتائج لغياب الحس الجماعي. ولأن الحكومات مهما عظمت قوتها، لن تستطيع سد كل الثغرات بدون وعيٍ شعبي وشراكات قوية بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني. وبعد هذا نتهم الحكومة بالفساد والتقصير والإهمال فأنت شريك في هذه النتائج طالما بقيت تردد نفسي نفسي .

أشكال المسؤولية المجتمعية
ما يجعل هذا المفهوم حيًا وأنه ليس نظريًا ولا جامدًا، بل متجدد وواسع، ويتجلى في صور كثيرة:
1. المسؤولية البيئية:
تقليل النفايات، حماية الموارد، وتحسين كفاءة الطاقة… لأن البيئة لا تتحدث، لكنها تُصاب وتشيخ وتتداعى بصمت.
2. المسؤولية التعليمية:
دعم المدارس، تمكين الطلاب، توفير منح أو منصات معرفية… فالتعليم هو الاستثمار الوحيد الذي يرفع الجميع دون أن يُخفض أحدًا.
3. المسؤولية الاقتصادية:
توفير فرص عمل، دعم رواد الأعمال، المساهمة في اقتصاد نزيه وعادل… لأن العدالة الاقتصادية ليست رفاهية، بل قاعدة الاستقرار.
4. المسؤولية الاجتماعية المباشرة:
مساعدة المحتاجين، تعزيز الاندماج، نشر ثقافة التطوع… فالإنسان يُولد فردًا، لكنه لا يعيش دون جماعة.
المسؤولية المجتمعية ليست شأن المؤسسات فقط
قد نظن أنها مرتبطة بالشركات الكبرى وبرامج المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR)، لكن الصورة أوسع بكثير.
فكل فرد قادر على أن يكون خيطًا في نسيج الإصلاح:
• عندما تُساند مشروعًا صغيرًا في منطقتك، فأنت تُقوّي الاقتصاد المحلي.
• عندما تُنقذ طعامًا فائضًا من الهدر، فأنت تمنح قيمة لنعمة مهدرة.
• عندما تُسهم في نشر الوعي، فأنت تُصلح ما لا تصلحه التشريعات.
• وعندما تُعامل الناس بإنصاف، فأنت تُمارس أبسط صور المسؤولية المجتمعية وأكثرها أثرًا.

المسؤولية المجتمعية في زمن الأزمات
الأزمة ليست اختبارًا للأنظمة فقط، بل للضمير البشري ففي لحظات الانهيار، يتراجع القوي إذا انسحب من دوره، ويصعد الضعيف حين يُسانده المجتمع
الحروب، الكوارث، الجوائح، والانهيارات الاقتصادية أثبتت أن المجتمعات التي ينهض أبناؤها ببعضهم، تقف، وتتعافى، وتنهض من جديد… بينما تنهار المجتمعات التي تُغلق أبوابها على نفسها.
في النهاية المسؤولية المجتمعية ليست عملًا بطوليًا، ولا مشروعًا ضخمًا ينتظر موارد هائلة
هي ببساطة: أن تفعل الصواب حين لا يراك أحد، وأن تفعل الأفضل حين تؤمن بحق الجميع.
هي الوجه الإنساني للتقدم، والصوت الأخلاقي للتنمية، ومعيار قوة أي مجتمع يريد أن يعيش بكرامة.
فالعالم ليس مجموعة أفراد متجاورين، بل شبكة أرواح متصلة… وما تفعله يعود إليك بطريقة ما، ولو تأخر.

فلتكن التنمية المستدامة ثقافة، وسلوكًا، وخيارًا نعيشه ولنرفع شعار (كن أمميا) ونقول دائما كن مسئولا عن نفسك تكن أمميا في مجتمعك

 

شارك المقالة

شارك الخبر

One Response

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *