المنظمة العربية المتحدة للبحث العلمى

uaosr_img

الذكاء الاصطناعي ومستقبل التعليم العالي

بقلم د. نائل سيد احمد

استاذ مشارك في المحاسبة / الكلية العصرية الجامعية – فلسطين

 

ان دخول الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence AI) في مجالات مختلفة في حياتنا اليومية ادى الى الحاجه الماسة الى تبني تغييرات جذريه في بيئة التعليم، بالإضافة الى الرجوع الى الاساسيات وتعديلها، بما يساهم في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي فيها. وبالنظر الى التطور المتسارع في التعليم نتيجة العولمة والتطورات المستمرة في التكنولوجيا، باتت الحاجة ماسة الى تلبية احتياجات السوق، وتضييق الفجوة الموجودة بينها وبين مخرجات العملية التعليمية في المعاهد والجامعات على مستوى العالم.

وبالنظر الى تقنيات الذكاء الاصطناعي، باعتبارها اداة قوية جدا في دعم عملية التعليم، من خلال التركيز على كيفية استخدامها في المراحل التعليمية المختلفة، وكيفية العمل على تبنيها كأسلوب تعليميا حديث، يساعد على تحسين جودة مخرجات عمليه التعليم، بالإضافة الى زيادة معرفة الخريجين وتحسين قدراتهم على مواءمة التغيرات في سوق العمل، بما يقلل من احتمالية تعرضهم  لصدمة بسبب انتقالهم الى بيئة مختلفة كليا، وتقليل نسبة البطالة في مختلف بلدان العالم. نحاول الإجابة عن سؤال مفاده كيف يمكن للذكاء الاصطناعي (AI) التأثير على مستقبل العملية التعليمية في مؤسسات التعليم العالي خلال السنوات القادمة ؟

ويمكن النظر الى المحاور التالية، والتي تشهد تغيرا واضحا بسبب توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديث في عملية التعليم على مستوى مؤسسات التعليم العالي:

  1. استخدام الصور الرمزية في عمليه التعلم (Avatar):

يمكن النظر الى امكانية استخدام الصور الرمزية او ما يعرف بالافاتار في عملية التعلم بما يساهم في تقريب المعلومة الى الطالب، وتوصيلها بلغات مختلفة، باستخدام برامج مختلفة مثل Synthesia وغيرها، وذلك من اجل توليد صور رمزية تتحدث بلغات مختلفة لتشرح مواضيع مختلفة بأسلوب اكثر تفاعلية من الاساليب التقليدية في التعليم. حيث انه من الممكن ان تساعد المعلم بتكوين صورة رمزية له تتحدث بلغات مختلفة مع طلاب في مختلف الدول، دون الحاجة الى معرفته بشكل متعمق في كافه اللغات، او الحاجة الى التنقل للتواصل معهم، بما يساهم في عولمة المعرفة بشكل اكبر في المستقبل.

  1. تجهيز خطط  المساقات ومحتوياتها:

ان توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملية اعداد خطط المساقات من قبل المعلم ستساهم بشكل كبير جدا في توفير الوقت وزيادة المعرفة التي يعرضها المعلم باستخدام مراجع ومصادر مختلفة، حيث ان تقنيات مثل Chat GPT و Chat PDF يمكن ان تساهم في اعداد محتوى هذه المساقات بطريقة تفاعلية، تساهم في زيادة اهتمام الطلبة في عملية التعليم، والرغبة المستمرة في البحث عن المعلومة. وهذا سيساهم في نقل تجربة التعليم من وقت المحاضرة المحدود الى اوقات اخرى قد تكون في البيت او المكتبة او حتى اثناء تنقلهم باستخدام وسائل النقل العام.

  1. تطور الشركات التي تقدم خدمات تطوير برامج ومنصات تعليمية تركز على استخدام الذكاء الاصطناعي

لقد ظهرت العديد من الشركات على مستوى العالم، والتي اصبح من اختصاصها تطوير برامج تساعد على التعليم باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث ان منصات التعليم مثل Teams و Blackboard وغيرها اصبحت متاحة للتطوير، وهناك امكانية لتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي المختلفة فيها، بما يساهم في جعل عملية التعلم اكثر جاذبية، بالإضافة الى تسهيل عملية اعداد المساقات الكترونيا واتاحتها لأكبر عدد من المستخدمين. ويمكن برمجة هذه التقنيات للمساعدة في تقييم واجبات الطلبة، وتحديد مواعيد امتحاناتهم، والمساهمة في تجهيزها بشكل آلي، وكذلك عملية تصحيحها وتحليل نتائجها لاحقا. كما تساهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تسهيل اعداد المحتوى التعليمي من قبل اي شخص متخصص، وهذا يساعد في نقل المعرفة واتساع افاقها، وعدم احتكارها لدى فئة محدودة في المجتمع.

  1. اضافة ادوات الذكاء الاصطناعي في مساقات متخصصة في التصميم والرسم:

انه من المحتم، وبسبب تعدد استخدامات ادوات الذكاء الاصطناعي، ان تكون ضمن مساقات متخصصه مثل الرسم الهندسي والديكور والتصميم الداخلي، وكذلك رسم وتصميم قطع الغيار للمعدات والآلات المعقدة، هذا بالإضافة الى استخدامها كأداة في الفن التشكيلي، وامكانية توظيف ادوات الذكاء الاصطناعي في حملات التسويق، مثل: تصميم شعار او عمل رموز معينة او حتى تصميم شكل الدعاية او الاعلان المرئي او المطبوع. حيث أن هناك تزايدا واضحا في اعداد التطبيقات المرتبطة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتي باتت تساعد على تصميم مثل هذه الاشكال والرسومات، ولديها تطبيقات لا متناهيه في مجالات مختلفة.

  1. تطوير تصميم عملية التعلم الشخصي

ان توفير تقنيات حديثة الذكاء الاصطناعي ساهم في تحديد قدرات الطلبة وميولهم، وبالتالي تطوير البرامج لتناسب شخصية واحتياجات كل منهم، حيث اصبح بالإمكان لدى كثير من المعاهد والجامعات على مستوى العالم دراسة سلوك الطلبة، ومن ثم تطوير المحتوى التعليمي وادوات التعلم بما يتناسب مع قدراتهم وتوجهاتهم واهتماماتهم الشخصية، وهذا اسهم في زيادة تفاعلهم واهتمامهم بدراسة مواضيع مختلفة، ناهيك عن امكانية استخدام هذه الطرق في بعض المواضيع المتخصصة مثل: ابحاث الفضاء، والجينات، وحتى دراسة الثروات الطبيعية واستخداماتها وبدائلها، حيث اضحت التكنولوجيا وسيلة فعالة في تحديد مسار دراسة العديد من الطلبة.

  1. استخدامات الذكاء الاصطناعي لتقليل الوقت والتكلفة المرتبطة بعمليه التعليم

لقد اضحت عمليه التعليم تفاعلية وانتقلت بشكل واضح من الاسلوب التقليدي الى اسلوب حديث يرتكز على توجيه المعلم للطلبة باستخدام ادوات الذكاء الاصطناعي الى مصادر المعرفة المختلفة، وهذا ادى بالضرورة الى تقليل الوقت والجهد المرتبط بإعداد محتوى المساق، هذا بالإضافة الى تقليل التكاليف المرتبطة بالمواد التعليمية، والحاجة الى استخدام نظام الاشتراك في بعض الخدمات والمواقع من اجل الحصول على ادوات المعرفة المختلفة. وأصبح بالإمكان للمعلم والطالب التواصل بشكل وجاهي او الكتروني او مدمج في اوقات تناسبهم، دون الحاجه الى الالتزام المطلق بأوقات المحاضرات، هذا بالإضافة الى المرونة التي يحصل عليها المعلم لإجراء المزيد من الابحاث او التحليلات في مواضيع تثير اهتمامه. واصبحت تجربة التعلم سهله بسبب مرونة التواصل وتعديل المحتوى، وكذلك  الاخذ بعين الاعتبار رغبة المعلم والطالب في تحديد شكل وطريقة التواصل بينهما.

ويمكن القول باننا ندخل بالفعل في مرحلة جديدة في عملية التعليم، ترتبط بشكل اساسي باستخدامات التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها في المجالات والتخصصات المختلفة. ولكن هذا لا يمنع ان هناك بعض المحاذير التي يجب اخذها بعين الاعتبار عند استخدام هذه التقنيات الحديثة، ومن أهمها: الاعتماد المتزايد من قبل المعلمين على تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما يقلل رغبتهم في البحث والتطوير بسبب الكسل الذي قد يصيبهم جراء الاعتماد المتزايد على هذه التقنيات، والتي قد يكون فيها بعض التحيز بسبب الطريقة التي تم برمجة خوارزمياتها، وكذلك بسبب عدم وضوح المدخلات. بالإضافة الى مخاطر ترتبط بأمن وسريه المعلومات، خاصة عند الحديث عن امكانية انشاء رموز شخصية وتعديل شكلها وصوتها واللغة التي تتحدث بها، مما قد يعرض العملية التعليمية الى مخاطر ترتبط به تحديد الملكية الفكرية للمحتوى التعليمي، وكذلك امكانية سرقة المعلومات والبيانات الشخصية، والتلاعب بها لصالح أطراف مختلفة.

وبالرغم من هذه المحاذير وغيرها، الا أن عملية التعلم تسير بشكل متسارع تجاه تبني المزيد من تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة، وهذا يدلل بشكل واضح على أن ايجابيات توظيف ادوات الذكاء الاصطناعي في عملية التعليم تتفوق بشكل كبير على السلبيات، وأن هذه المحاذير اذا تم معالجتها بشكل جيدـ فإنه بالإمكان تحقيق اقصى منفعة ممكنة من تقنيات الذكاء الاصطناعي. ولا شك أن المحاور الثلاثة الرئيسية لعمليه التعليم (المعلم والطالب والمحتوى التعليمي) تأثرت بشكل واضح بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وأن هذا التأثر أدى الى رغبة شديدة في تبني هذه التكنولوجيا في تخصصات مختلفة. وقد لوحظ أن العديد من مؤسسات التعليم العالي على مستوى العالم اصبحت تركز على الذكاء الاصطناعي كأحد أهم ركائز المحتوى التعليمي، وأن معرفة الطالب بأدوات الذكاء الاصطناعي واستخداماتها أصبحت أحد أهم مخرجات عملية التعليم فيها.

وبناء على ما سبق، يمكن القول ان مؤسسات التعليم العالي في طريقها نحو تغييرات جذرية في كيفية تعاطيها مع هذه التكنولوجيا الحديثة، واستخداماتها في المراحل المختلفة في العملية التعليمية، خاصة في ظل النمو المتسارع في تبنيها، والقدرة على التغلب على الكثير من المحاذير المرتبطة باستعمالها في المستقبل القريب

شارك المقالة

شارك الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *