تختلف تعريفات مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من بلد إلى آخر، كما تختلف بحسب السياق التاريخي؛ وعلى مستوى الممارسة العملية، فإن محاولات التعاون والتعاضد كانت منتشرة ومعروفة منذ القديم. وإذا كانت المبادرات الأولى، التي تمكنت من إرساء بنيات تعاونية وتعاضدية، تعود إلى (رواد روشدال المنْصفون) في إنجلترا سنة 1844، (وفريدريش فيلهلم رايفايزن) في ألمانيا سنة 1847، فإن المبادرات الحقيقية لم تبدأ إلا مع ظهور آثار الأزمة التي عرفها نظام الدولة- الراعية والاقتصاد المختلط خلال الربع الأخير من القرن العشرين، حيث أعربت بعض الدول عن اهتمامها بالتنْظيمات النموذجية للاقتصاد الاجتماعي، مثل التعاونيات والتعاضديات، أو التنْظيمات غير الهادفة للربْح، مثل الجمعيات والمؤسسات عموماً.
وخلال الأزمات التي شهدتها مراحل متعددة من التاريخ، انتشرت هذه الأشكال التنْظيمية وتزايد الاهتمام بها من المنتظم الدولي، مما ساعد على ظهور وهيْكلة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني باعتباره قطاعاً جديداً من قطاعات الاقتصاد.
من هنا تعرف منظمة العمل الدولية هذا القطاع باعتباره مجموعة من المقاولات والهيئات، وخصوصا التعاونيات والتعاضديات والجمعيات والمؤسسات والمقاولات الاجتماعية، التي تقوم على مبادئ التضامن والمشاركة، والتي تتميز بإنتاج السلع والخدمات والمعارف، مع الحرص في الوقت ذاته، على تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية.
وبالنسبة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الأوروبي، فإن هذا القطاع يشمل »جميع المؤسسات الخاصة ذات التنظيم المهيكل والتي تتوفر على استقلالية القرار وتتمتع بحرية الانخراط، والتي أنشئت لتلبية حاجيات أعضائها عبر السوق، وذلك بإنتاج سلع أو تقديم خدمات التأمين أو التمويل، حيث إن القرارات وأي توزيع للأرباح بين الأعضاء لا ترتبط مباشرة برأس المال أو مساهمات كل عضو، بل لكل منهم صوت واحد. ويشمل الاقتصاد الاجتماعي أيضا هيئات خاصة مع هيكل رسمي مع استقلالية القرار مع التمتع بحرية الانخراط، تنتج خدمات يمولونها، وأن فوائضها إن وجدت، لا يمكن أن تكون مصدرا للدخل بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين الذين يضعونها أو يتحكمون فيها أو في تمويلها .«
وقد عرف تطور هذا القطاع، في الاتحاد الأوروبي، تقدما كبيرا، حيث وصل عدد التعاونيات سنة 2009 الى ما يربو على 000،207 تعاونية تضم 108 ملايين منخرط، كما توفر فرص عمل مباشر لما مجموعه 4,7 مليون عامل. وعليْه فقد تمكنت الجمعيات من توفير فرص عمل لما مجموعه 8,6 ملايين عامل، وهو ما يمثل من 4 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وفيما يتعلق بالتعاضديات، فإن تعاضديات الصحة والمساعدة الاجتماعية تمكنت من توفير التغطية لأكثر من 120 مليون نسمة سنة 2010، وتمكنت من حيازة ربع السوق الأوروبية في هذا المجال
في اسبانيا يحدد القانون رقم 5/2011، الصادر في 29 مارس 2011، في مادته 2، الاقتصاد الاجتماعي باعتباره »مجموعة من الأنشطة الاقتصادية وأنْشطة أرباب العمل التي تقوم بها بصورة جيدة مؤسساتها في القطاع الخاص، متبعة إما المنفعة الجماعية لأعضائها، أو المنفعة العامة الاقتصادية أو الاجتماعية، أو هما معاً«، وذلك وفق المبادئ الأربعة الموجهة التالية “المادة : 4”
– إعطاء الأولوية إلى الأشخاص وإلى الغاية الاجتماعية على حساب رأس المال.
– توزيع النتيجة بحسب العمل المنجز، أو عند الاقتضاء، إلى الغاية الاجتماعية موضوع المقاولة.
– النهوض بالتضامن الداخلي ومع المجتمع.
– الاستقلالية إزاء السلطات العمومية.
أما بلجيكا والوني، التي تتوفر على أول تشريع في أوربا حول الاقتصاد الاجتماعي، فإنها تعتبر هذا الاقتصاد مجموعة من الأنشطة الاقتصادية المنتجة للسلع أو للخدمات، والتي تقوم بها أساساً شركات تعاونية و/أو ذات أهداف اجتماعية، كما تقوم بها تعاضديات أو مؤسسات تتجسد أخلاقياتها في المبادئ التالية:
1 ـ الغاية الاجتماعية من الخدمة لصالح الجماعة أو لصالح أعضائها، عوض غاية تحقيق الربْح.
2 ـ الاستقلالية في التدبير.
3 ـ سيرورة القرار الديمقراطي.
4 ـ إعطاء الأولوية إلى الأشخاص وإلى العمل عوض إعطائها إلى رأس المال في عملية توزيع الأرباح.
وقد تمكنت بلجيكا بهذا العمل في مجال الاقتصاد الاجتماعي من توسيع أداء نموذج التنمية السوسيو اقتصادية، ليشمل مجموع منطقة والُوني، كما نجحت في استهداف المصلحة الجماعية وتعزيز التماسك الاجتماعي والتنمية المستدامة.
وفي فرنسا، يؤكد القانون المتعلق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، الذي اعتمدته اللجنة المتساوية الأعضاء داخل الجمعية الوطنية، الاعتراف بهذه الصيغة المقاولاتية المولدة لفرص الشغل والنمو، والتي تستجيب للحاجيات الاجتماعية.
أما في كندا فقد عرَّف الملتقى الدولي الثاني لنشر التضامن في أكتوبر 2001 الاقتصاد الاجتماعي على أنّه مجموع المبادرات الاقتصادية ذات الهدف الاجتماعي، التي تساهم في إنشاء طريقة عيش وتفكير اقتصاديين جديدين، عبر عشرات الآلاف من المشاريع في بلدان الشمال والجنوب، حيث تعتمد مشروعا اقتصاديا وفي نفس الوقت هو سياسي واجتماعي، تنتج عنه وضعية جديدة لممارسة السياسة وإقامة علاقات إنسانية على قاعدة من التوافق. ويشمل الاقتصاد الاجتماعي المنظمات غير الحكومية وغير الخاصة التي من حقها كسب الربح لكنها تعيد استثمار الارباح ولا يحق لها توزيعها على المساهمين .
وعرَّف المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بكونه: مجموع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية التي تنتظم في شكل بنيات مهيكلة أو تجمعات لأشخاص ذاتيين أو معنويين، بهدف تحقيق المصلحة الجماعية والمجتمعية، وهي أنشطة مستقلة تخضع لتدبير مستقل وديمقراطي وتشاركي يكون الانخراط فيه حراً، ويدخل ضمنها التعاونيات والجمعيات والتعاضديات.
وبناء عليه فإّن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني هو الدعامة الثالثة التي ينبغي أن يقوم عليها الاقتصاد المتوازن المدمج إلى جانب القطاع العمومي والقطاع الخاص، وينطوي هذا الاقتصاد على ما يكفي من الإمكانات والوسائل التي تجعله قادرا على تعبئة وتوفير ثروات هامة مادية وغير مادية.
كما تنتمي إلى الاقتصاد الاجتماعي والتضامني جميع المؤسسات التي ترتكز أهدافها الأساسية بالدرجة الأولى على ما هو اجتماعي، من خلال تقديمها لنماذج مستدامة ومدمجة من الناحية الاقتصادية، وإنتاجها سلعا وخدمات تركز على العنصر البشري، وتندرج في التنمية المستدامة ومحاربة الإقصاء.
يستند هذا التعريف على عناصر تهم مجتمعا متوازنا في علاقاته الداخلية، ومنفتحا على محيطه الخارجي. مجتمع يشكل فيه العامل البَشري ثروته الدائمة، ومصدره الرئيسي لتحقيق التنمية.
دعم وتشجيع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب
اعتمد المغرب هيكلة الاقتصاد الاجتماعي كقطاع حكومي على الأقل منذ مطلع الألفية الثالثة. وقد تشرفت بتحمل المسؤولية الحكومية والإشراف المباشر على هذا القطاع ووضع العديد من السياسات والبرامج المتعلقة به في الفترة من 2017 إلى 2019 . ويعرف هذا الاقتصاد أيضا بالاقتصاد الثالث، بعد القطاع العام والقطاع الخاص، ويقوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بدور رئيس في التشغيل الذاتي للنساء ،وهيكلة نشاط النساء في مختلف القطاعات، كالفلاحة والصناعة التقليدية والمنتجات المحلية…
وتعتبر التعاونيات النسائية مقاولات تسهم في توفير فرص الشغل للنساء وإدماجهن في الحياة الاقتصادية والاجتماعية؛ كما توفر موارد مالية مهمة لتحسين المستوى المعيشي للأسر في وضعية هشة. وقد ارتفع عدد التعاونيات النسائية على الصعيد الوطني بالمغرب من 259 تعاونية سنة 2014 إلى 1815 سنة 2015، لتصل إلى 2280 سنة 2016 وإلى 2.923 سنة 2018 و4.524 سنة 2019. ويمثل معدل التعاونيات النسائية في المغرب 17% من إجمالي التعاونيات، ما يعادل 27262 تعاونية تضم 563.776 عضوا، 35% منهم من النساء.0
بعد هذا العرض المقتضب عن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، نرى أن المنظمة العربية المتحدة للبحث العلمي يمكن أن تفيد شركاءها على المستويات الآتية:
1 ـ التعريف بهذا النوع من الاقتصاد والاستفادة من التجارب الدولية المقارنة الناجحة، وبيان دوره في توفير فرص الشغل وإدماج الفئات الهشة خاصة من النساء والأشخاص في وضعية إعاقة والشباب العاطل عن العمل ،وكذا النهوض بالمناطق النائية التي تعاني من ضعف التنمية ، وكذا تثمين المنتجات المحلية والحرف التقليدية .
2. تقديم الاستشارة للهيئات الحكومية والمؤسسات الخاصة، من أجل بناء هذا النموذج الاقتصادي الدامج على المستوى الوطني والمحلي، ووضع آليات لتعزيز دوره في الناتج الداخلي الخام ورفع مستويات التشغيل.
3. مواكبة الهيئات الوطنية الحكومية والمؤسسات والقطاع الخاص في وضع سياسات وطنية ومخططات مندمجة، للنهوض بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني ورفع مستويات الناتج الداخلي الخام.
4. وضع برامج المواكبة والتأطير لتنمية مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي من تعاونيات وجمعيات وتعاضديات.
التعريف بالكاتبة
كاتبة الدولة مكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني سابقا
وزيرة منتدبة / التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر سابقا
وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة سابقا