بقلم د. فؤاد الحطاب

يُعدّ التعليم من أقوى العوامل تأثيرًا في تشكيل الْفِطْرَة الإنسانية، سلبًا أو إيجابًا. فمثلا: عندما يُمارَس (تزوير الحقائق العلمية في المدارس)، ينشأ جيل مشوَّش الوعي، لا يملك فهمًا حقيقيًا لجذوره ولا لما يدور حوله، في حين أن التعليم بموضوعية، وتشجيع البحث والتفكير النقدي، يُعيد للفطرة توازنها ويُنمّي فيها القدرة على التمييز والاستبصار.

فالتعليم يُعَدُّ ركيزة أساسية لتحقيق النهضة والتقدم والارتقاء بالفرد والمجتمع، وهو الأساس في بناء الحضارة وصناعتها، وعليه يجب أن يرتبط العلم بالأخلاق والقيم العليا، فأي تزييف أو تزوير للحقائق سيشوه وجه الحضارة؛ فمثلا: نظرية التطور لدارون؛ نظرية مزيفة مغلفة بغلاف علمي؛ ترى أن الإنسان  مادة او كائن مادي تطور في المنظور الزمني الطويل حتى أصبح أنسانا؛ فهو ليس مخلوقا مكرما بنظره، فبدلا من أن يكون أصل الإنسان من آدم وحواء، فإنَّ دارون حَطَّ من قَدْره، وجعله حيوانًا أصله قرد، وعلى ذلك فالنظرية  تنفي وجود خالق لهذا الكون بكل ما فيه، فهي تدعو إلى الإلحاد (خليل، د.ت)، بل إن الفلاسفة  الملحدين اعتمدوا عليها في تبرير الإلحاد. (بوزان، 2024)

وبالرغم من أن العلماء أسقطوا هذه النظرية إلا أنها ما تزال تدرس في الغرب كحقيقة علمية ثابتة بالرغم من قدمها، وظهور نظرية جديدة بديلة عنها أُطْلِقَ عليها نظرية (التصميم الذكي) التي تقوم “على أن الحياة أعقد بكثير من أن تكون قد «تطورت» بمفردها كما تقول نظرية التطور الداروينية؛ ولذلك فهي ترى أن هناك «سبباً ذكياً» وراء تصميم جميع الكائنات. (Berlinski، 2019)، وانظر (بيهي،، 1996) و (ماير)

لقد تمت صياغة نظرية (التصميم الذكي) بلغة ومصطلحات علمانيّة بارعة وحذرة تماماً، وتم تجنب تحديد هُوية المصمم الذكي لأسباب مرحليّة تكتيكيّة قد تطول! ” (العيسى، 2012)       ثمة نزاع حصل في الولايات المتحدة حول تدريس نظرية التطور الداروينية؛ ففي عام2004 اتخذ مجلس مدرسة منطقة دوفر في مقاطعة يورك بولاية بنسلفانيا قرارًا بتدريس نظرية (التصميم الذكي)؛لأنها تقدم تفسيرا علميا لأصل الحياة والكون، بدلا من (نظرية التطور الداروينية)، وقد عُرِفَ هذا النزاع بقضية (دوفر) عام 2005م،  (العيسى، 2012)       والغريب أنَّ المحكمة حكمت لصالح تدريس (نظرية التطور الداروينية) بحجة أن نظرية (التصميم الذكي) دينية تخالف دستور البلاد، لكنَّ الأغرب أن الفاتيكان وقف إلى جانب تدريس نظرية التطور الداروينية!

في تركيا  فقد قررت توقيف تدريس نظرية التطور في المدارس الثانوية معتبرة إيَّاها نظرية مثيرة للجدل ويصعب فهمها، وقال نعمان قورتولموش، نائب رئيس الوزراء التركي، ” إن نظرية داروين التي نشرت أول مرة في القرن التاسع عشر “قديمة وبالية” وليس من الضروري تدريسها”. (رويترز، 2017)

نخلص مما سبق أن العلم والتعليم لا ينفصلان عن الأخلاق والقيم العليا والسياق الثقافي، ولا يمكن أن يكون العلم محايدا يقف موقفًا حياديا، وكأن ليس له علاقة بالسياق الثقافي والديني، أو أنه مادة  تشرح في المختبر فقط دون أن يكون له أثر أخلاقي، على العكس تماما فالعلم ينخرط بالسياق الثقافي، فكما رأينا في قضية (دوفر) مُنِعَ تدريسُ نظرية (التصميم الذكي)؛ لأنها دينية تخالف دستور البلاد، وهذا يعني أن العلم ينبغي أن يكون وفق توجهات الدولة؛ فإذا لم يكن كذلك يُرفَضُ تمامًا، ورفض العلم القائم على الملاحظة والتجريب دون حوار بنّاء يعني تجاهل العملية العلمية التراكمية  لاجتهاد العلماء في هذا السياق.