uaosr_img

مثلث النجاح

د. محمد عبد العزيز

مدير المنظمة العربية للبحث العلمي

 

 بُني الكون على فكرة الواجبات ثم الحقوق ، أد واجباتك تفز بحقوقك ، اعمل وانتج تنل الأجر ، ويقيني  أن النجاح في الحياة لا يأتي مصادفة إنما عبر الأخذ بأسبابه المتمثلة في العمل والكفاح والمثابرة وقوة التحكم في النفس وترويضها ، فلا يدرك المرء بالتكاسل والعجز أية أمنيات لأن السماء لا تمطر ذهباً  ، وللنجاح أسباب من أتاها وصل ، وأستشهد بقول البارودي : بادر الفرصة واحذر فواتها فبلوغ العز في نيل الفرص واغتنم عمرك ابان الصبا فهو إن زاد مع الشيب نقص وابتدر مسعاك واعلم أن من بادر الصيد مع الفجر قنص .

ومن عجب الأخذ بالأسباب ما ساقه الله تعالى لنا في سورة مريم ” هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا” وفيها أمر للسيدة مريم العذراء أن تهز النخلة  وهو ما ترفضه لغة المنطق فلا يستوعب العقل أن هز جذع النخلة يجدي نفعاً لكنها إرادة الله الذي رزقها في طفولتها بغير حساب ولما كبرت أمرها كما في هذه الآية  ، وفيها رسالة من الله تعالى لأمة المسلمين مفادها أن خذوا بالأسباب واعملوا، فالآية نزلت على مريم وهى امرأة وفى فترة النفاث أي في حالة شديدة من الضعف والهوان ليدلل لنا سبحانه  أن لدى كل منا طاقة هائلة كامنة داخله حتى ونحن في قمة الضعف ،ريثما نأخذ بالأسباب ثم نتوكل على الله نتقوى به فننهض ونحقق النجاحات في الدارين .

ومن فكرة بناء الكون على الواجبات والحقوق نستطيع أن نشكل معادلة للنجاح يمكن تطبيقها للفوز بخيري الدنيا والأخرة معاً . تقوم فلسفة هذه المعادلة على أن الله تعالى ما خلقنا سوى لعبادته ، ولكي نُرسي قواعد العبادة لابد أن نتقوى على ذلك فتكون المحافظة على صحتنا ، ما يتطلب منا العمل ، الذي ُيعد جزء من العبادة وهو كسب حلال للتقوت والتقوي على أداء الغاية الرئيسة من خلق الإنسان -العبادة

 الضلع الأول

وتأخذ معادلتنا للنجاح شكل مثلث قاعدته واجبات الخالق وضلعيه واجبات عقلك وجسدك على الترتيب ، ولشرح أبعاد تلك القاعدة التي تُعد أهم ما في المثلث ، ينبغي أن يكون الإنسان على يقين من الغاية الرئيسة لخلقه وهي العباده  ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )  ، ومن ثم يسعى إلى بلوغها عبر أداء حقوق الله تعالى على العباد  ، وحقوق الله مقسمة إلى عبادات ومعاملات  لا ينفكان ولا تستقيم العبادة من دون المعاملات والعكس صحيح ، وقد تناول الله تعالى العبادات في كتابه الخاتم ( القران الكريم ) في مئة وثلاثون آية بينما تحدث عن المعاملات في الف وأربعة وخمسين اية وقال النبي الخاتم ( محمد صلى الله عليه وسلم ) ما من شي أثقل عند الله من حسن الخلق ، والدين المعاملة. وحينما فرض الله تعالى عبادته على البشر كان لنفعهم  وليس لذاته المصونة فلا حاجة له سبحانه بعباداتهم  ، ولن يفيد العباد إذا أدوا الصلاة وهم كاذبون غير أمناء ، ظالمون لعباده أوفاسدون مريقون للدماء أو مساندون مؤيدون لحاملي هذه الصفات ، لن تفيدهم صلاتهم وهم يسيرون بخلق سيئ بين .

ومختصر قاعدة المثلث في معادلة النجاح  نستطيع أن نوجزها في ( محافظة المرء على عبادة الصلاة  وحسن خلقه مع الناس) فذلك أقوى رباط والذي إن صلح ستصلح بقية المفردات والواجبات من فروض متعددة وعبادات مختلفة .

 

الضلع الثاني

يتمثل الضلع الثاني في  مثلث النجاح بالدنيا والآخرة في  ، مراعاة  واجبات العقل وتكمن في عنصري التعليم والتدريب ، التعليم لا يجب أن يتوقف من المهد إلى اللحد  والعلوم تنقسم إلى إنسانية وتطبيقية ، وتشمل الأولى العلوم الشرعية التي تستقى من كتاب الله فنحرص على تلاوته وتدبر آياته  ،. وتسير منظومة الكون بالتعلم وأول كلمة أنزلها الله على نبيه الخاتم كانت اقرأ حثاً على التعليم المستمر وقال تعالى ( وعلم أدم الأسماء كلها ) اذن لا تستقيم الحياة من دون تعليم ، والإنسان مطالب بتنمية وتنوير عقله بأن يتعلم شي واحد عن كل شيء من حوله ثم يتعلم كل شيء – قديمه وحديثه -عن شي تخصصي واحد ليتمكن  من استخدام ما تعلمه في السعي على رزقهوفي اليات التعلم يجب أن يستثمر الإنسان كل الموجودات من حوله لاسيما الوسائل والتقنيات الحديثة التي تسهل التعليم والاطلاع على كل المستجدات في الحياة، ثم يأتي عنصر التدريب ليمثل توطين وتكريس لما اكتسب الإنسان من علوم وتطوير ضروري للذات ، ويجب أن يكون صنواً ملاصقاً  للتعليم فما يتعلمه المرء يفقده من دون التدريب والممارسة ، الذي لابد لإتقانه والاستفادة منه أن يستخدم فيه الإنسان حواس خمس ، العين والأذن واليد والقدم واللسان بهدف اتقان التعلم والتدريب .

وبذلك يكون الضلع الثاني من مثلث معادلة النجاح – مراعاة واجبات العقل – قد اكتمل ويمكن تلخيصه في ( الحرص على التعليم والتطوير بالتدريب ) .

 

الضلع الثالث

يتمثل الضلع الثالث في  مثلث النجاح بالدنيا والآخرة  في  ، مراعاة واجبات الجسد  وهو الجناح الأيسر من مثلث معادلة النجاح للفوز بالدنيا والآخرة معاً ،  وتكمن في مراعاة الصحة العامة  فلا عقل سليم من دون جسد سليم والعكس سليم. فالجسد الهزيل الضعيف لا يستطيع تلبية رغبات العقل مهما كان الأخير واعياً ويقظاً لأن كلاهما مبنيٌ على الآخر ، لذلك لابد من الحفاظ على جسد سليم ، والمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف ،  والقوة هنا ليست بطش إنما قوة عقل وجسد معا

ومن واجبات الإنسان تجاه جسده

أولاً : منحه القسط المناسب من النوم فمن الأهمية بمكان تعرف متى وكيف وكم وقتاً تخلد إلى النوم ، فبحسب علماء متخصصون يحتاج الجسد إلى النوم من ٥ الى ٧ ساعات في اليوم وبالطبع يكون في الليل أفضل للجسم من لو نام الإنسان ضعف ذلك بالنهار ، فالله تعالى يقول ( جعلنا لكم الليل لباساً والنهار معاشاً ) فانقلاب ناموس الكون يأتي بتأثيرات سلبية على الجسد ليس بالضرورة أن يستشعرها الإنسان على المدى القصير كما التدخين يدمر الصحة على المدى البعيد  .

ثانيًا : ممارسة الرياضة اليومية وهي أمر مهم وضرورة للحفاظ على الصحة العامة  ، ومن أفضل ألوان الرياضة ممارسة المشي ولو لأربعين دقيقة فقط يومياً ، فخير الأمر أدومه وإن قل .

ثالثًا : على الإنسان أن يدرك متى وماذا ولماذا  يأكل ، فمعادلة الطعام لابد وأن تُبنى على احترام الجسد والروح معاً . فمتى نأكل ؟  حينما نجوع  ، وماذا نأكل ؟  ما يفيد  ، ولماذا نأكل ؟ لكي نتقوى على الحياة لبلوغ الغاية الرئيسية منها وهي عبادة الله ثم العمل الذي يعد أحد الوان العبادة  .

رابعًا:  الابتعاد عما حرم الله من المأكولات والمشروبات ، ثم اتباع منهج النبي في توزيع المتطلبات بين ثلث للشراب وثلث للطعام وثلث للنفس ، ولا تأكل إلا إذا شعرت بالجوع ، وإن أكلت لا تشبع بكامل طاقتك وكل ما يفيدك وتجنب ما يبعث على التخمة وزيادة الدهون بجسمك مهما كانت شهيتك تطلبها لابد من التحكم في ذاتك وتطويعها  ، فالنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم.

من أراد النجاح فليحرص على ما ينفعه من كل الموجودات حوله ، فيروض نفسه شيئًا فشيئًا إلى أن ينتصر عليها فيفز بجسد قوي سليم وبالتالي عقل سليم ومن ثم ينعم  بحياة صحية مستقرة  ، ويدرك أن المعدة بيت لكل داء والصحة نحن محاسبون عليها  يوم القيامة فلابد من الحرص على سلامتها  ، بضرورة الحفاظ على تناول الطعام الصحي وعدم الإفراط في أي شي منه فالاعتدال مطلوب ” كلوا واشربوا ولا تسرفوا ” ، بالإضافة إلى تجنب  التدخين وما شابه ذلك من مهلكات الصحة  .

وملخص الضلع الثاني من مثلث معادلة النجاح – مراعاة واجبات الجسد –  ( الحفاظ على صحة الجسم بالأكل والنوم الصحيحين والتريض ).

وبهذا نكون قد أكملنا مثلث النجاح لمن أراد الفوز بخيري الدنيا والأخرة معاً بحسب تصوراتي ومن خلال تجاربي، وأسأل الله أن تكون تلك الكلمات نافعة لكل من يقرأها وأن تشكل نبراس هدى لكل من ضل الطريق للعودة إلى جادة الصواب فالحياة قصيرة جداً ومن لم يستثمر الوقت فيما ينفع ضاعت حياته فالوقت هو الحياة ، لنستفق جميعاً فالنفس يخرج ربما لا يعود

وأخيرًا ،  لا يطلب النجاح ولا ينتظره من بنى حياته على ضباب غيب فيه الأمانة وأحضر الكذب  .ورحم الله الشاعر محمود البارودي حيث قال :

بَادِر الْفُرْصَةَ وَاحْذَرْ فَوْتَهَا ….  فَبُلُوغُ الْعِزِّ في نَيْلِ الْفُرَصْ …. وَاغْتَنِمْ عُمْرَكَ إِبَّانَ الصِّبَا ….   فَهْوَ إِنْ زَادَ مَعَ الشَّيْبِ نَقَصْ …. إِنَّمَا الدُّنْيَا خَيَالٌ عَارِضٌ …. قَلَّمَا يَبْقَى وَأَخْبَارٌ تُقَصْ …. تَارَةً تَدْجُو وَطَوْراً تَنْجَلِي …. عَادَةُ الظِّلِّ سَجَا ثُمَّ قَلَصْ …… فَابْتَدِرْ مَسْعَاكَ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ … بَادَرَ الصَّيْدَ مَعَ الْفَجْرِ قَنَصْ ……لَنْ يَنَالَ الْمَرْءُ بِالْعَجْزِ الْمُنَى … إِنَّمَا الْفَوْزُ لِمَنْ هَمَّ فَنَصْ …… يَكْدَحُ الْعَاقِلُ فِي مَأْمَنِهِ  …… فَإِذا ضَاقَ بِهِ الأَمْرُ شَخَصْ ……… إِنَّ ذَا الْحَاجَةِ مَا لَمْ يَغْتَرِبْ …… عَنْ حِماهُ مِثْلُ طَيْر في قَفَصْ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك المقالة

شارك الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *