تظل صناعة التعليم وجودته علامة فارقة في عملية التطوير والحفاظ على التنمية ، فالتعليم ليس مجرد عمل يقوم به نظام تعليمي يتم بموجبه تأهيل أفراد للحصول على معلومات ومن ثم شهادات ، لكنه بات أكثر اتصالاً بحياة الإنسان والحضارةِ معاً ؛ إذ بدونه يفقد المُجتمع دوره ووظيفته، وقد اعتبر كثير من العلماء أن صناعة التعليم هي أشرف الصناعات التي يستطيع الإنسان أن يحترفها ، فصناعة التعليم وأثره في التنمية البشرية تُعَدّ منهجاً ربانياً ، فليس من قبيل الصدفة أن تكون كلمة «اقرأ» أول الكلمات التي نزلت على قلب نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – ، الذي قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم، في إشارة واضحة إلى أهمية التعليم وفاعلية دوره في حياة المجتمع بصورة عامة؛ إذ يُعَدّ بمؤسساته المتعددة بوتقة آمنة لتشكيل مضغ الوعي، لتنضج فيه مفاهيم الإنسان حول ماهيته ورسالته في الحياة، لذلك غني عن البيان أهمية التعليم في حياة الإنسان وتطور الأمم ، فهو الرئة التي يتنفس من خلالها المجتمع، والبوصلة التي تحرك الحضارة لبناء معارف الإنسان ومنحه القدرة على الحياة ومن ثم صناعة التاريخ، والتعاطي مع مختلف العوالم من حوله .
التعليم هو عماد نهضة الأمم السابقة واللاحقة، و طوق نجاة مجتمعاتنا العربية إذا امتلكت الإرادة للحاق بالعالم المتقدم ومن ثم تعمل على تحسين أنظمة التعليم وترصد له الموازنات الملاية المناسبة لقيمته ومردوده الحضاري ، فضلاً عن إتاحة مناخات الحرية لكي يتنفس النظام التعليمي وينمو في بيئة صحية سليمة تحقق التقدم المنشود.
وتعد قضية التعليم في الوطن العربي أحد أهم أخطر التحديات ، لذلك تتطلب جهودًا مشتركة من الحكومات والمؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات العلمية المختلفة ، ومن هذه التحديات ، افتقار العديد من المعلمين إلى التدريب المستمر وتطوير مهاراتهم لما لهم من دور حاسم في تحسين جودة التعليم ، لذا وجب توفير برامج تأهيلية مناسبة لتمكينهم من تبني أساليب تعليمية حديثة وفعالة ، إضافة إلى نشر الوعي الثقافي بما يدفع حركات المجتمع إلى التنبه إلى عظيم الخطر الناتج عن إهمال التعليم ومؤسساته، والتعويض عن ذلك بتبني التعليم بمراحله كافة ، كما تواجه العديد من المؤسسات التعليمية في الوطن العربي تحديات على صعيد تحسين الجودة وهو ما يتعلق بالتكوين اللازم للمعلمين وتطوير مهاراتهم التربوية والتعليمية ، وتحديث المناهج الدراسية لتكون أكثر انسجامًا مع احتياجات سوق العمل والمجتمع لوجود عدم توافق بين المناهج وسوق العمل في العديد من أنظمة التعليم في بعض بلداننا العربية مما يخلق هوة مهاراتية سحيقة بين الخريجين ومتطلبات سوق العمل ، هذه الهوة تؤثر على التنمية ، كما مهمًا ألا تتعارض تلك المناهج المحدثة مع قيم مجتمعاتنا الإسلامية وتتناسب مع التقدم العلمي الملحوظ ، مع تقديم طرق تقييم فعالة لقياس تحصيل التلاميذ.
إن جودة التعليم تُعَدّ الدعامة الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والتربوية ، والاهتمام والعناية بالحفاظ على تجويد مخرجاته يوثق الترابط فيما بين التعليم والتنمية ويغذي العلاقة الوثيقة بينهما التي ترتكز على وحدة الهدف ، فكلاهما هدفه (الإنسان)، وتنمية قدراته واستدامتها، ولتحقيق هذه الاستدامة وضبط معايير الجودة لابد من السعي نحو تذليل تلك التحديات ، وترى المنظمة العربية المتحدة للبحث العلمي أن ذلك يكمن في عدد من الإجراءات التي يجب أن تسير في خطوط متوازية ، ومنها : ضرورة ابعاد التعليم عن التسييس ، واستعادة المجتمع لقيمة المعلم وتبوءه المنزلة الأدبية والمادية التي تليق به لكونه أهم محور في المنظومة التعليمية ، وأهم عنصر في صناعة المستقبل، على أن تشارك المؤسسات كافة في عودة تلك القيمة ومنها الإعلامية والدينية وغيرها مما لا تخلو من علاقة بالقطاع التعليمي، فضلًا عن ضرورة تعزيز التمويل المادي وتحسين البنية التحتية وتكامل التكنولوجيا في التعليم ، كما يتطلب الأمر تطوير سياسات تعليمية فعالة وتأهيل المعلمين ودعم ثقافة المشاركة الأسرية، مع ضرورة التحديث بإدخال كل ما يستجد من آليات وأفكار خلاقة من دول العالم المتطور في هذا الصدد ، وتطوير الممارسات التي تحقق أعلى المستويات الممكنة في مخرجات مؤسسات التعليم؛ ليتلاءم مع الاحتياجات المحلية والإقليمية والعالمية ، و من خلال التركيز على هذه الجوانب ، يمكن تحقيق تطور حقيقي في واقع التعليم في الوطن العربي لتمكين الأفراد من فرص التعلم الصحيح والنمو، وهذا جزء رئيس من أهداف المنظمة العربية المتحدة للبحث العلمي وما تهدف إليه مشروعاته في هذا القطاع الحيوي المهم ” صناعة التعليم ” للحصول على المنتج النهائي من تلك الصناعة (المتعلّم) الذي يتقن المهارات الكافية لتلبية احتياجات سوق العمل ومتطلبات التنمية.