بقلم : د. هبة أبو عيادة
في زمن تسود فيه الشاشات المضيئة وتغزو فيه الأجهزة الذكية كل ركن من حياتنا، هل لا يزال هناك مكان للقراءة؟ هل تستطيع تلك الحروف السوداء على الورق الأبيض أن تنافس ألوان الشاشات وأصواتها الجذابة؟ سؤال يطرح نفسه بقوة في عصرنا الرقمي، عصر السرعة والسهولة، عصر الانشغال الدائم. إن الأجهزة الرقمية الذكية، بشاشاتها الملونة وتطبيقاتها الجذابة المتنوعة وألعابها المثيرة ومواقع التواصل الاجتماعي التي تجُرنا للعالم الافتراضي، تجذبنا بقوة وتدفعنا إلى عالم افتراضي مليء بالإثارة والمتعة. ننغمس في متاهات الإنترنت، نتابع الأخبار، نتواصل مع الأصدقاء، نشاهد الأفلام، نستمع إلى كل جديد المفيد وغير المفيد، كل ذلك بنقرة زر واحدة. فهل من وقت للجلوس بهدوء مع كتاب ورقي، ونقلب صفحاته وتجذبنا كلماته لنغوص في عالم القراءة، عالم من الخيال والمعرفة؟ ربما يعتقد البعض أن القراءة قد أصبحت من الماضي، وأن الجيل الجديد يفضل الشاشات على الكتب. لكن الحقيقة أن القراءة لا تزال تحتفظ بسحرها الخاص، وأنها تقدم لنا تجربة فريدة لا يمكن لأي شاشة أن تضاهيها. التساؤل الذي يطرح نفسه عزيزي القارئ، لماذا لا تزال القراءة ساحرة؟ كيف تحافظ على نفسها في عصر المغريات الرقمية، لعل من أهم الأسباب وأولها أن القراءة الورقية من الكتاب تتيح للقارئ التعمق في التفاصيل؛ إذ أن القراءة تجبرنا على التوقف والتأمل، على استيعاب المعنى الكامن وراء كل كلمة وجملة. إنها تمنحنا فرصة للتفكير بعمق والتأمل في الحياة. وتوسع الآفاق؛ فالكتب هي بوابات لعوالم أخرى، عوالم من المعرفة والثقافة والتاريخ. إنها تسمح لنا بالسفر عبر الزمان والمكان، والتعرف على ثقافات مختلفة وأفكار جديدة. ومن سحر القراءة أيضا قدرتها على تنمية الخيال حيث تحفز خيالنا وتساعدنا على بناء عوالم خاصة بنا. إنها تجعلنا أكثر إبداعًا وأكثر قدرة على حل المشكلات. بالإضافة أن القراءة تساعدنا على توسيع مفرداتنا وتحسين مهاراتنا اللغوية. إنها تجعلنا نتحدث ونكتب بشكل أفضل وتثري الملكة اللغوية. إن القراءة هي وسيلة رائعة للاسترخاء والتخلص من التوتر وتسمح لنا بالهروب من ضغوط الحياة اليومية والتركيز على شيء آخر.
وأغتنم مقالي لتقديم جملة من التوصيات للحفاظ على سحر القراءة في عصر الشاشات الذكية، نصيحتي الأولى اجعل القراءة عادة: يجب أن نجعل القراءة جزءًا من روتيننا اليومي، حتى لو كانت لبضع دقائق فقط. النصيحة الثانية قم باختيار الكتب المناسبة: يجب أن نختار الكتب التي تهمنا والتي نستمتع بقراءتها. والنصيحة الثالثة تهيئة بيئة مناسبة للقراءة: يجب أن نجد مكانًا هادئًا ومريحًا للقراءة، بعيدًا عن الضوضاء والإلهاءات. والنصيحة الرابعة شجع الأطفال على القراءة: يجب أن نشجع أطفالنا على القراءة منذ الصغر، ونجعلها تجربة ممتعة ومثيرة. في الختام، إن القراءة والشاشات ليست بالضرورة متعارضتين. يمكننا الاستمتاع بكل منهما، ولكن يجب أن نجد التوازن الصحيح. فالقراءة مفتاح الحكمة تمنحنا عمقًا ومعنى، والشاشات تمنحنا سرعة وسهولة. فلتكن القراءة جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، لتثري عقولنا وتغذي أرواحنا وتكون مجتمعات مثقفة واعية محبة للقراءة ومشجعة لها بين الأفراد كبارًا وصغارًا، مجتمع يغلفه التقدم والرقي الفكري، فبالقراءة نبني مجتمع معرفي متعلم يحارب الجهل والفقر والمرض.