بقلم د. سامي الطيب إدريس – أستاذ القانون العام المشارك – جامعة تبوك
إن الحياد الدولي يعد مفهوماً قديماً، ويعرف بأنه الموقف الذي تتبناه إحدى الدول للبقاء بأمان بعيداً عن الحرب وآثارها المدمرة، وعدم الدخول في النزاعات الدولية، وقد يكون الحياد دائماً كما قد يكون مؤقتاً. لكن وعلى الرغم من الاعتراف الدولي بمفهوم الحياد، إلا أن الغموض ما زال يكتنف جانبا كبيرا منه، لاسيما في ظل تعدد وتنوع الاتفاقيات الدولية المنظمة له. وفي ظل تنامي دور دول الحياد الدائم كلاعب فاعل في الأوضاع الدولية المعقدة وعضويتها المؤثرة في المنظمات الدولية، ووصول بعضها الى مراكز حساسة كعضوية مجلس الأمن الدولي، ومن ثم المشاركة الفاعلة في صناعة القرارات الدولية وتوجيه العلاقات والسياسات الاستراتيجية الدولية. يحاول فقهاء القانون الدولي الوقوف على الأبعاد غير المرئية للحياد الدولي وآثاره على الأمن والسلم الدوليين وتفسير مفهومه والتكييف القانوني لعنصريه الرئيسيين وهما النزاهة والامتناع بما يتوافق مع نظام الأمن الجماعي في الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية، كما يحاول الفقهاء وضع حدود له من خلال حث دول الحياد الدائم الي ضرورة المشاركة في الأنشطة الدولية المتعلقة بالأمن والسلم الدولي كمحاربة التنظيمات الإرهابية العالمية، والجريمة العابرة للحدود والجرائم البيئية وغيرها من الجرائم التي تتطلب التعاون الدولي. ونظرًأ لأهمية تلك القضية وتأثيراتها المتعددة فقد قمت في العام الماضي 2024 بنشر علمي لدراسة بعنوان الحياد وأثره على العلاقات الدولية، تناولت فيها ماهية الحياد الدولي وأنواعه وأهدافه وآثاره القانونية على الدول، ودوره في تحسين العلاقات الدولية. وكيفية التوفيق بين واجبات الحياد في ظل المتغيرات الدولية التي تقتضي المشاركة الفاعلة في أنشطة المجتمع الدولي ومنظماته المختلفة. هدفت الدراسة للتعرف على الحياد كنظام قانوني معترف به بموجب المواثيق الدولية، وأثره في دعم وتوطيد العلاقات الدولية وتعزيز الأمن والسلم الدوليين. لعل أبرز النتائج التي توصلت لها هذه الدراسة تتمثل في “الحياد موقف قانوني، ذو بعد سياسي، تسعى من خلاله الدول لتعزيز تعايشها السلمي، مما يمكنها من لعب دور إيجابي في العلاقات الدولية. وهو كذلك عملاً من أعمال السيادة الوطنية، تتخذه الدولة بإرادتها وفقاً لمّا يحقق مصالحها وأهدافها في علاقاتها الدوليّة، بعدم الانخراط في النزاعات الدولية، بما يضمن عدم تأثيرها أو تأثرها من هذه النزاعات”. أما أبرز التوصيات فهي ” تطبيقاً لأسس المسؤولية الدولية، وتمكيناً للدولة المحايدة من الدفاع عن حيادها واستقلالها، والقيام بواجبات الحياد الدولي ممثلة في إجراءات المنع والمراقبة والتدخل الودي، يجب على المجتمع الدولي مساعدة الدول المحايدة وتمكينها من الوسائل العسكرية المناسبة”.