المنظمة العربية المتحدة للبحث العلمى

البيوتكنولوجيا  و تحقيق الأمن الغذائي

 بقلم أ. د سماح عبد لله مرعى – مستشار قطاع الصناعات الغذائية بالمنظمة العربية للبحث العلمي – مدير معمل التكنولوجيا الحيوية بمركز البحوث الزراعية

من الجين إلى الحقل: دور تربية النبات والبيوتكنولوجي في تحقيق الأمن القومي الغذائي …

لم يعد الأمن القومي يقتصر على حماية الحدود العسكرية فقط، بل أصبح الأمن الغذائي عنصرًا جوهريًا في استقرار الدول وسيادتها. ففي عالم يشهد زيادة سكانية متسارعة وتغيرات مناخية خطيرة، يصبح ضمان الغذاء الكافي والمستدام لكل مواطن تحديًا وجوديًا. حيث يعد الأمن القومي الغذائي أحد الركائز الأساسية لاستقرار أي دولة وازدهارها. في عصرنا الحالي، أصبح الأمن الغذائي أكثر من مجرد توفير الطعام للسكان، بل هو جزء لا يتجزأ من القوة الاقتصادية والاستراتيجية للدولة. في ظل التحديات العالمية مثل التغيرات المناخية، الزيادة السكانية، ونضوب الموارد الطبيعية، أصبح من الضروري البحث عن حلول مبتكرة لضمان استدامة إنتاج الغذاء. ومن بين أبرز هذه الحلول التي تساهم في تعزيز الأمن الغذائي تأتي التكنولوجيا الحيوية Biotechnology ،  حيث تمثل قفزة نوعية في مجال الزراعة وإنتاج المحاصيل، مع دور حاسم في تربية النباتات لمواجهة التغيرات المناخية والأزمات الغذائية. هذه التقنيات توفر فرصاً واسعة لتحسين الإنتاج الزراعي وزيادة الإنتاجية في ظل بيئات قد تكون غير مثالية للزراعة التقليدية.

 أهمية الأمن القومي الغذائي

 الأمن الغذائي يعني قدرة الدولة على: توفير غذاء كافٍ وصحي لجميع المواطنين.و تقليل الاعتماد على استيراد الغذاء من الخارج. ايضا مواجهة الأزمات العالمية مثل الحروب أو التغيرات المناخية. حيث ان لدولة التي تتحكم في غذائها تتحكم في مستقبلها وتضمن استقلال قرارها السياسي والاقتصادي.

تعريف البيوتكنولوجيا أو التقنية الحيوية : Biotechnology

 البيوتكنولوجيا هي تطبيق الأساليب التكنولوجية في المجالات الحيوية والبيولوجية بهدف تطوير حلول لعدد من المشكلات التي تواجه البشرية في مجالات الزراعة، الطب، والصناعة. في الزراعة، تُستخدم التقنيات الحيوية لتطوير محاصيل مقاومة للأمراض والآفات، أو محاصيل تتحمل الظروف البيئية القاسية مثل الجفاف والحرارة المرتفعة. يعتمد هذا على التعديل الجيني للمحاصيل بحيث يتم تحسين صفاتها الوراثية مما يساهم في تحقيق إنتاجية عالية وجودة أفضل للمنتجات الزراعية.

حيث ان البيوتكنولوجيا   Biotechnology يمثل ثورة علمية في مجال الزراعة، إذ يعتمد على استخدام تقنيات حديثة لحل المشكلات التي تعجز الطرق التقليدية عن مواجهتها، مثل:

  • الهندسة الوراثية: إدخال جينات تمنح النبات مقاومة للجفاف أو الحشرات.

  • زراعة الأنسجة: إكثار نباتات خالية من الأمراض وبأعداد كبيرة في وقت قصير.

  • التحليل الجزيئي والواسمات الوراثية: اختيار النباتات المميزة بسرعة ودقة بدلًا من الانتظار لمواسم طويلة. هذه الأدوات تفتح آفاقًا واسعة لتطوير محاصيل جديدة أكثر توافقًا مع تحديات القرن الحادي والعشرين

دور تربية النبات في مواجهة التغيرات المناخية:

تربية النبات هي عملية تطوير محاصيل زراعية ذات صفات وراثية مرغوبة بهدف تحسين الجودة والكمية. في ظل التغيرات المناخية التي تشهدها كوكب الأرض، أصبح من الضروري تطوير محاصيل قادرة على التكيف مع الظروف البيئية المتغيرة. على سبيل المثال، قد تواجه المحاصيل الزراعية موجات من الجفاف أو ارتفاع درجات الحرارة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تدهور الإنتاجية الزراعية. ومن أبرز إنجازاتها:

  • إنتاج محاصيل تتحمل الجفاف والملوحة ودرجات الحرارة العالية.

  • استنباط أصناف مقاومة للأمراض والآفات.

  • زيادة الإنتاجية وتحسين الجودة الغذائية (مثل رفع نسبة البروتين في القمح).

  • توفير بذور ملائمة للظروف البيئية المحلية. بهذا، تصبح تربية النبات خط الدفاع الأول نحو الاكتفاء الذاتي الغذائي

من الجين إلى الحقل ) دور البيوتكنولوجيا في تعزيز الأمن القومي الغذائي(

تكمن قوة التأثير عندما يتكامل علم تربية النبات مع البيوتكنولوجي حيث  ياتى دور  التقنيات الحيوية في تطوير نباتات مقاومة للجفاف أو قادرة على التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة، مما يعزز القدرة على الاستمرار في الإنتاج الغذائيمن خلال  بدء  العمل داخل المختبر بتحليل الجينات وتحديد الصفات المرغوبة. ثم تُنقل هذه الصفات إلى النبات عبر أساليب التربية والهندسة الوراثية من خلال التعديل الجيني، يمكن إنتاج محاصيل مقاومة للملوحة أو الأمراض التي قد تنتج عن تقلبات الطقس، أو قد تظهر بسبب تزايد أعداد الآفات الناشئة عن تغير المناخ. تساهم هذه الأساليب في تحسين مقاومة النباتات للظروف القاسية وبالتالي زيادة الإنتاجية الزراعية في المناطق التي قد تكون معرضة لمخاطر التغيرات المناخية. وأخيرًا، يصل الابتكار إلى الحقل في صورة صنف جديد يحقق إنتاجية وجودة أعلى. وبذلك يتحول العلم من مجرد معرفة نظرية إلى أداة عملية تخدم المزارع والمجتمع والدولة

 حيث ان تقنيات البيوتكنولوجيا تؤدي دوراً مهماً في تعزيز الأمن الغذائي، حيث توفر حلولاً عملية لمواجهة مشكلات تراجع الإنتاج الزراعي بسبب التغيرات المناخية أو تدهور التربة. من خلال استخدام التحسين الوراثي، يمكن إنشاء محاصيل ذات إنتاجية عالية، وتحتاج إلى موارد أقل مثل الماء، مما يساعد في الحفاظ على البيئة وتوفير الغذاء بكفاءة أكبر. كما تساهم البيوتكنولوجيا في زيادة مناعة المحاصيل ضد الأمراض والآفات، مما يقلل من الاعتماد على المبيدات الكيميائية ويحافظ على صحة الإنسان والبيئة. علاوة على ذلك، يمكن تقنيات مثل الزراعة الدقيقة استخدام التكنولوجيا لرصد وتوجيه استخدام الموارد بشكل أكثر فاعلية، وبالتالي تقليل الفاقد في المحاصيل وزيادة الاستدامة.

برغم من  أهمية هذا المجال، إلا أن هناك تحديات قائمة مثل: ارتفاع تكلفة تطبيق التكنولوجيا الحيوية. والحاجة إلى تدريب كوادر متخصصة.وضرورة وجود تشريعات تنظم وتدعم استخدام الهندسة الوراثية. لكن مع هذه التحديات تظهر فرص كبيرة، أهمها القدرة على بناء اقتصاد زراعي قوي.و توفير ملايين الأطنان من الغذاء سنويًا. بالاضافة الى تقليل الاستيراد وتوفير العملة الصعبة

ومع استمرار التحديات التي يواجهها العالم في ما يتعلق بالزراعة والأمن الغذائي، يصبح من الضروري على الدول أن تستثمر في التقنيات الحيوية وتطوير تربية النباتات لمواجهة تحديات التغيرات المناخية والزيادة السكانية. من خلال تكامل التكنولوجيا الحيوية مع الزراعة المستدامة، يمكن تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز قدرة الدول على الحفاظ على استقرارها الاقتصادي والاجتماعي، مما يساهم في بناء مستقبل آمن ومستدام.

 خلاصة القول :

إن دمج تربية النبات مع البيوتكنولوجي ليس رفاهية علمية، بل هو استراتيجية وطنية لتحقيق الأمن القومي الغذائي. فكل جين تتم دراسته في المختبر يمكن أن يتحول إلى محصول يقوي الدولة في مواجهة الجوع والتغير المناخي والضغوط الاقتصادية. ومن هنا، فإن الطريق إلى مستقبل آمن ومستقر يبدأ من العلم… ومن الجين إلى الحقل.

شارك المقالة

شارك الخبر

28 Responses

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *